ينطلق المحامي أريئيل لين، في مقاله المنشور بصحيفة "معاريف"، من قلق وجودي يطارده منذ السابع من تشرين الأول، قلق يتخذ شكل كابوس متكرر، أشبه بنبوءة سوداء.
يتخيل الكاتب سيناريو بديلاً: ماذا لو أن قيادة حماس قررت الانتظار ثلاث سنوات إضافية، وأن تنفذ هجومها المفاجئ في 7 تشرين الأول من عام 2026؟
في نظره، لم تكن إسرائيل لتستفيق، بل كانت ستغرق أكثر في ثقتها الزائفة بنفسها، ماضية في سياسة تقوية العدو من حيث لا تدري. ففي هذا الزمن المتخيل، كانت الأموال القطرية ستواصل التدفق إلى غزة بموافقة إسرائيلية، والأنفاق كانت ستتعمّق وتتفرّع، وقدرات حماس العسكرية ستتضاعف، بينما الجنود الإسرائيليون يتنقلون بين قواعدهم ومنازلهم دون سلاح، مطمئنين إلى استقرار كاذب.
هذه الصورة المفزعة لا يطرحها الكاتب كتمرين ذهني، بل كتحذير صريح من واقع سياسي وأمني يرى أنه معطوب جذريًا. هو لا يرى في لجان التحقيق الرسمية وسيلة ناجعة لتفادي الكوارث، بل يعتقد أنها تشتغل على الماضي وتغرق في تفاصيله، بينما يبقى المستقبل رهينة للمجهول المتغير. حتى لجنة التحقيق في إخفاقات حرب يوم الغفران (1973) لم تمنع، برأيه، ما وقع في 2023، رغم كل ما قيل ودُوِّن آنذاك.
لين يرى أن العقلية المؤسسية في إسرائيل مصابة بما يشبه العمى المزمن تجاه الإنذارات المبكرة. دائمًا هناك من يرفض التصديق.
يستشهد في هذا السياق برواية وزير المالية الأسبق يوفال شتاينتس، الذي تنبأ قبل سنوات بهجوم واسع منظم ينفذه آلاف الفلسطينيين المسلحين ضد بلدات إسرائيلية، وحذّر من مجزرة حقيقية قبل أن تتمكن وحدات الجيش من الرد. تحذيره هذا قوبل بالسخرية من قبل قيادات عليا، بينها رئيس الأركان الأسبق إيهود باراك، كما يكشف شتاينتس في مقابلة صحفية حديثة.
جوهر المقال لا يكمن في جلد الذات فقط، بل في التحذير من أن آليات الدولة ـ مهما بدت منطقية ومنظمة ـ قد تكون بلا فائدة حين تعاني القيادة من عجز في الخيال، أو من تعالٍ على الأخطار التي لا تشبه ما عُرف في السابق.
فحتى عندما تكون الصورة واضحة، غالبًا ما يختار أصحاب القرار تجاهلها لأنهم لا يحبّذون ما لا يمكن احتواؤه بسهولة. هكذا، وبلا مواربة، يصرّ لين على أن المجزرة القادمة ليست احتمالًا، بل نتيجة منطقية لاستمرار نفس التفكير.