في مقالها المنشور في صحيفة "يسرائيل هيوم" تحت عنوان "الدولة هي نحن المعلمين"، تسلّط الكاتبة ميخال مزراحي الضوء على صرخة صامتة لكنها أكثر تأثيرًا من أي مظاهرة. إنه احتجاج المعلمين في إسرائيل، الذين لا يرفعون لافتات ولا يغلقون الشوارع، بل يعبّرون عن إحساس عميق بالخذلان والإنهاك، وعن أزمة تتجاوز خفضًا مؤقتًا في الرواتب إلى تصدّع في العلاقة بين الدولة ومن يفترض أنهم يربّون أجيالها.
ترى مزراحي أن هذا الاحتجاج لا يعكس فقط أزمة في جهاز التعليم، بل يكشف عن خلل في الدولة نفسها. المعلمون والمعلمات يشعرون أنهم لا يُنظر إليهم كأصحاب قيمة حقيقية، لا من قبل صنّاع القرار ولا من قبل المجتمع. وبينما تتسع المهام الملقاة على عاتقهم، من التدريس والتربية إلى الاحتواء العاطفي والقيام بدور المُرشد في زمن انقسام داخلي وحروب خارجية، تبقى ظروفهم على حالها، بل وتزداد سوءًا. "المزيد من الطلاب، مكافآت أقل. مسؤوليات أكثر، دعم أقل"، تكتب الكاتبة، وتضيف أن المجتمع لا يبني منظومة داعمة للمعلمين، بل يحمّلهم عبء ترميم كل شروخ المجتمع دون أن يمنحهم الأدوات ولا المقابل.
وتنقل مزراحي عن المعلّمة روني ليمان قولها المؤثر: "المسألة ليست المال. الأسس نفسها التي تقوم عليها الدولة تنهار... والمجتمع يكدّس المزيد من التوقعات على كاهل المعلم دون أن ينتبه أو يعدّل المنظومة لتواكب ذلك، ودون أن يكافئهم ماديًا".
وتدعم الكاتبة هذا التشخيص بأرقام مقلقة: انخفاض حاد في أعداد المتقدّمين لتعلّم مهنة التعليم، ازدياد عدد من يتركونها في سنواتهم الأولى، أداء متراجع في الامتحانات الدولية، واعتماد متزايد على معلمين مؤقتين تنقصهم الكفاءة.
وتشير مزراحي إلى أن الدولة لا تعالج هذا الوضع بجدية، بل تلجأ إلى حلول سطحية تخلق انطباعًا بإدارة الأزمة، لا بحلّها فعليًا. خطوات تجميلية تريح العناوين الصحافية، لا تعالج جوهر الانهيار. والهوة بين الشعارات والممارسة تكشف أكثر من أي وقت مضى عن الازدراء الكامن. فمن جهة، يثني المسؤولون على المعلّمين كركيزة للمجتمع، ومن جهة أخرى يوقّعون على اتفاقيات تعمّق الإهلاك وتقتطع من الأجور. وبرأي الكاتبة، فإن الرسالة التي يتلقاها المعلّم من هذا السلوك واضحة: "أنتم لستم مهمّين حقًا".
لكن مزراحي تصرّ على نقيض ذلك: المعلّمون ليسوا فقط مهمّين، بل مصيريون. ففي الوقت الذي يحمي فيه الجنود حدود الدولة، يحرس المعلّمون نسيجها القيمي، الاجتماعي، والديمقراطي. هم من يصونون الأمل، والتوازن، وهم من يصوغون ملامح الجيل المقبل وشخصية المجتمع كله.
وهنا، تطرح الكاتبة تحوّلًا مفاهيميًا: إذا كان في الماضي يُنظر إلى رجال الأمن كرموز للوطنية، فإن مستقبل "الإصلاح الوطني" قد يأتي من المعلمين، من الفضاء المدني نفسه، حيث يشكّل التعليم أداته المركزية.
في هذا الإطار، ترى مزراحي أن لحظة العدالة التاريخية قد تكون الآن. فهؤلاء الذين طالما وُضعوا على هامش المشهد الوطني، هم اليوم من يرفع راية المسؤولية الجماعية الجديدة، وهم من يصرخون: "الدولة هي نحن". لا كتصريح سلطوي، بل كدعوة حقيقية لمشاركة جماعية. وإذا ما استجابت الدولة لهذا النداء، فإن ما بدأ كأزمة قد يتحوّل إلى نقطة تحوّل تاريخية. استثمار حقيقي في المعلمين لن يكون فقط تصحيحًا لظلم مزمن، بل إعلانًا عن وجهة جديدة: نحو ترميم، ونحو مستقبل.