يرى الكاتب غادي عزرا أن لكل حدث في حياتنا، سواء الشخصية أو العامة، ظروفًا تحيط به وتمنحه المعنى، تمامًا كما تفعل موسيقى الخلفية في الفيلم، التي توجّه شعورنا نحو الخوف أو الفرح أو النشوة. فالمحيط الذي يلفّ أي واقعة وطنية هو ما يكوّن الانطباع الجمعي عنها، وهذا ما حصل أيضًا عند إعلان تحرير الجندي عيدان ألكسندر: لم يكن الاحتفال نقيًا أو خالصًا، بل امتزج بالقلق، لأن خلفية الحدث حملت دلالات أبعد من مجرد خبر سار.
الإفراج عن جندي أسير هو دائمًا خبر مفرح، كما يقول عزرا. وإنْ كان الجندي قد خُطف في مجزرة السابع من أكتوبر، فالإفراج عنه يتحول إلى واجب أخلاقي. وإنْ كان الجندي أسيرًا وحيدًا في البلاد، مهاجرًا ترك حياة الراحة ليخدم في جيش الدفاع، فإنّ عودته تذكير بالمغزى الأعمق للهوية القومية. لكن حين يأتي الإفراج عنه عبر وساطة دولة أجنبية، دون أن تكون إسرائيل طرفًا مباشرًا أو فاعلًا، فإن هذا الحدث يُصبح، برأي عزرا، منعطفًا في الإدراك الجمعي، لأنه يشير إلى تحوّل عميق في موازين القوى الدبلوماسية.
ويشير الكاتب إلى أن وساطات خارجية في ملف المختطفين الإسرائيليين ليست جديدة، فقد حدثت سابقًا، لكن إسرائيل كانت دومًا حاضرة ولو في الخلفية، تؤكد سيادتها، وتُرسل رسالة مفادها أنها تسيطر، أو تحاول أن تسيطر، على مصير جنودها. أما ما جرى مع ألكسندر، فهو مختلف: يبدو وكأنّ مسارًا دبلوماسيًا يتمّ دون الحاجة لإسرائيل، بل من دون أخذ رأيها في الحسبان. من يقرأ تفاصيل إطلاق سراح الجندي لا يمكنه، كما يقول عزرا، أن يتجاهل المفاوضات المباشرة بين الولايات المتحدة وإيران، والاتفاق مع الحوثيين، والدور المحوري لقطر، ما قد يعكس صورة غير مريحة عن تقلّص التأثير الإسرائيلي في الإقليم، على نحو غير مسبوق منذ دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
لا يجزم عزرا بأن هذا الواقع نهائي أو حتمي، لكنه يحذّر من تجاهل إشاراته. ومع اقتراب توسيع العملية البرية، يلفت إلى أن هذا التآكل في الدور الإسرائيلي يُضعف الموقف الاستراتيجي للبلاد. وإن استمرت إسرائيل في الغياب عن المبادرات، خصوصًا تلك المتعلقة بـ"اليوم التالي" بعد الحرب، فقد تجد نفسها خارج ترتيبات دولية تُبنى على أولويات لا تتوافق مع مصالحها.
ويختم الكاتب بتشديده على أن كبح هذا المسار لا يتحقق إلا عبر إطلاق مبادرة شاملة، لا تتعلق بالحرب فقط، بل بمستقبل المنطقة بأسرها، بمبادئ تؤطر الرؤية الإسرائيلية، وتعيد تعريف أولوياتها. ولا يتحدث هنا عن ترف فكري، بل عن ضرورة وجود خطة سياسية تُكمل ما سيحاول الجيش إنجازه ميدانيًا. ويستشهد أخيرًا بتصريح ترامب، الذي اعتبر الإفراج عن ألكسندر "خطوة أولى نحو إنهاء النزاع الوحشي"، لا نزاع السابع من أكتوبر فحسب، بل النزاع الإسرائيلي–العربي ككل. ومن هذا المنطلق، يحذّر الكاتب من تفويت الفرصة، لأن قطار "اليوم التالي" قد بدأ بالفعل في التحرك، وعلى إسرائيل ألا تبقى على الرصيف، بل أن تصعد إلى مقصورتها الخاصة في هذا القطار.