في مقالٍ تحت عنوان "ستبقى الوصمة على النياشين" للكاتب عيناف شيف في صحيفة "يديعوت أحرونوت"، يتجلى خطاب نقدي لاذع تجاه المؤسسة الأمنية الإسرائيلية، لا سيما جيش الدفاع، الذي يتهمه الكاتب بانعدام الشفافية والتورط العميق في ما يسميه بـ"مرحلة الحماقة المطلقة للحرب".
وينطلق الكاتب من تصريح للناطق باسم الجيش، العقيد أفي دفيرين، قال فيه: "سأتحدث إليكم عندما ينبغي، لا عندما يمكن". ويفسر شيف هذا الموقف كمؤشر على سياسات تعتيم إعلامي متعمد، متهكماً من توقيت الإعلانات العسكرية، التي تأتي أحيانًا بعد منتصف الليل، في توقيت "مثالي" لتجنب الضجيج الإعلامي، وكأن الجيش لا يريد أن يعكر مزاج الجمهور المنغمس في متابعة يوروفيجن أو برامج الترفيه.
ويصف الكاتب نبرة الجيش في مؤتمره الصحافي الأخير بأنها محاولة لتغليف الفشل بغلاف من الحزم، خصوصاً حين يعلن الناطق أن الجيش الآن "يركز جهوده ويشن هجوماً حتى الحسم"، وكأن من خاض الحرب حتى الآن لم يكن يفعل ذلك بالفعل. ثم يتساءل شيف بتهكم إن كان الجنود الذين نزفوا دماً وفقدوا أصدقاء وعادوا بجراح في الجسد والنفس هم "جنود جيش الخلاص"، لا جيش الدفاع.
ويشكك شيف بجدية المعلومات العسكرية، حين يشير إلى اعتماد الجيش في شرح استراتيجياته على ما يشبه "ورقة من قيادة نيتسان ألون"، ملمحاً إلى سجل سابق من المعلومات المغلوطة أو غير الدقيقة. ويرى أن مشكلة الجيش ليست في الناطق باسمه فحسب، بل في كونه جزءًا من ماكينة متكاملة تساهم في إدارة الحرب بغباء وتهرب من المسؤولية.
ويعدد شيف سلسلة مظاهر هذا "الجنون المؤسسي"، بدءًا من استدعاء جنود احتياط يعانون من اضطرابات ما بعد الصدمة، مرورًا بحملات دعائية لاعتقال فارين من الخدمة ممن لا ينتمون أصلًا للتيار الحريدي، وانتهاءً بإجبار جنود أنهوا خدمتهم الإلزامية على الانخراط في الخدمة الدائمة. كما يلفت إلى القصف المتزايد على غزة الذي أدى إلى تآكل الدعم الدولي حتى من "أصدقاء جيدين" لإسرائيل، ممن لم يظهروا يومًا أي تعاطف مع الوضع الإنساني في القطاع.
ويستشهد شيف باستطلاعات الرأي التي تُظهر أن أغلب الجمهور الإسرائيلي يؤيد عودة المختطفين حتى لو تطلّب ذلك إنهاء الحرب، ويؤمن بأن الحكومة الحالية تعمل بدافع منطق البقاء السياسي لا الوطني. ورغم هذا، يشير إلى أن الإعلام الإسرائيلي، لا سيما خارج قنوات اليمين، لا يزال مترددًا في تحميل الجيش المسؤولية، سواء بدافع الحياد المزعوم أو خوفًا من اتهامات بعدم الوطنية.
ثم ينتقل إلى جهاز الشاباك، الذي يحظى بحصانة إعلامية طالما ظل رئيسه يُنظر إليه كـ"حامٍ للديمقراطية" في وجه نتنياهو، متسائلًا لماذا لا يُسأل رونيْن بار عن دوره في استمرار الحرب وتبعاتها السياسية والاجتماعية.
وينتهي شيف برسالة حزينة وصارخة في آن: المؤسسة الأمنية، التي وقفت ككتلة واحدة قبل سنوات لمنع هجوم على إيران، مطالبة اليوم بتحمّل المسؤولية عن فشل 7 أكتوبر، ولا يمكنها التنصل من دم الجنود الذين ماتوا وهم يحلمون بالدفاع عن الوطن، لا باحتلال غزة. هؤلاء، كما يقول، سيطاردون وصمةً أبدية من نكثوا العقد الأخلاقي بين الدولة ومواطنيها، من أتاحوا أو سكتوا عن استمرار هذه الحرب العبثية، ومن ساهموا في تحويل "جيل الانتصار" إلى جيل من الاكتئاب، مدفون تحت أنقاض غزة ومحبوس لسنوات داخلها.