في مقال تحليلي نُشر في صحيفة "معاريف"، يستعرض الدكتور إلعاد غلعادي المواقف الخليجية من الهجوم الإسرائيلي على إيران، في محاولة لفك رموز البيانات الدبلوماسية التي صدرت سريعًا من العواصم الخليجية بعد العملية.
ورغم ما يبدو كإجماع في لهجة التنديد، يلفت الكاتب إلى أن "خلف هذا الموقف الموحد ظاهريًا، تختبئ طبقات متضاربة من المصالح والمخاوف، بل وحتى بعض الرضا الضمني".
برأي غلعادي، فإن معظم دول الخليج ترى في الهجوم الإسرائيلي خطرًا على الاستقرار الإقليمي، لكنها في الوقت ذاته تعتبره فرصة لإضعاف خصم إقليمي مزمن. ويُشير إلى أن "كل ضربة توجه لقدرات إيران العسكرية أو النووية تُعد مكسبًا ضمنيًّا، حتى وإن أُدير الموقف رسميًا ببيانات حذرة تدعو للتهدئة".
السعودية، بحسب المقال، حرصت على إعلان موقف واضح، يرفض التصعيد، ويمنع استخدام أجوائها للهجوم، وهو ما يصفه الكاتب بأنه "رسالة مزدوجة: من جهة عدم الرغبة في الانخراط، ومن جهة أخرى، تأكيد لطهران بأن الرياض ليست طرفًا في المعركة". ومع ذلك، يرى الكاتب أن المملكة، سرًّا، لا تُبدي حزنًا على مقتل جنرالات من الحرس الثوري، خصوصًا من تورطوا في زعزعة استقرار اليمن والعراق والخليج.
أما الإمارات والبحرين، اللتان ترتبطان باتفاقيات "أبراهام" مع إسرائيل، فقد أدانتا الهجوم بلغة معتدلة، وأبدتا القلق من التصعيد، دون اتخاذ خطوات دبلوماسية حادة. وهنا يلفت غلعادي إلى أن الدولتين "تحاولان الحفاظ على توازن معقد بين التضامن العربي والارتباط العميق بالمحور الأمريكي-الإسرائيلي، الذي أصبح حيويًا لأمنهما واقتصادهما".
قطر، كما يقول الكاتب، واصلت دورها المعروف كوسيط بين طهران وواشنطن، مستفيدة من قنوات الاتصال المفتوحة مع الطرفين. وهو ما يتيح لها هامش حركة دبلوماسي حتى في خضم الأزمات.
لكن القلق الحقيقي لدى دول الخليج، كما يراه غلعادي، لا يتعلق بالضربة بحد ذاتها، بل برد الفعل الإيراني المحتمل. إذ أن "أي صاروخ يسقط على أراضي السعودية أو الإمارات قد يدفع بالمنطقة نحو دوامة أمنية واقتصادية خطيرة".
ويرجّح الكاتب أن إيران، إن أرادت الرد، فقد تفضل "أهدافًا رخوة" في الخليج لاختبار رد الفعل، دون الانزلاق إلى مواجهة شاملة.
ويكشف المقال أن اتصالًا هاتفيًا عاجلًا جرى بين وزيري خارجية السعودية وإيران بعد الضربة، في محاولة على الأرجح لـ"احتواء الغضب وتأكيد حيادية الرياض"، وهو ما يعكس، بحسب غلعادي، رهانات البلدين على الحوار لاحتواء التصعيد.
اقتصاديًا، أشار الكاتب إلى أن الهجوم أدى إلى قفزة فورية في أسعار النفط تجاوزت 9%، ما يُمثل مكسبًا ماليًا قصير الأجل لدول الخليج، لكنه يأتي مصحوبًا بمخاطر طويلة الأمد، إذ أن "أي تهديد فعلي للبنية التحتية النفطية أو ممرات الملاحة سيشعل أسعارًا عالمية ويهدد الاستقرار الاقتصادي".
وتُواجه دول مثل السعودية والإمارات تحديات إضافية في هذا السياق، إذ أنها تحاول منذ سنوات التموضع كمراكز للسياحة والتكنولوجيا والخدمات المالية، وهي مشاريع تتطلب استقرارًا طويل المدى لا يتماشى مع طبول الحرب.
يخلص غلعادي إلى أن دول الخليج تنتهج "سياسة بارعة"، تتفادى المواجهة المباشرة، وتُعارض التصعيد تحت شعار الاستقرار، وتحافظ على قنوات التواصل مع طهران، بينما تأمل في أن تُحقق الضربات الإسرائيلية أهدافها الرادعة دون إشعال المنطقة. لكنّه يُحذر في ختام مقاله من أن "استمرار الأزمة يزيد من خطر الانزلاق"، متسائلًا: هل ستنجح دول الخليج في الموازنة بين أمنها، واقتصادها، وتحالفاتها؟ أم ستُجبر يومًا على اختيار أحد الأطراف؟