يبدأ الدكتور متان غوتمان مقاله بالإشارة إلى حالة الترقب التي تسود الولايات المتحدة في الأيام الأخيرة، بانتظار قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بشأن إمكانية انضمامه إلى إسرائيل في شن هجوم على المنشآت النووية الإيرانية.
وبينما يدور في الأوساط السياسية الأمريكية نقاش محتدم بين معسكر انعزالي يرفض التورط العسكري في النزاعات الخارجية، ومعسكر آخر يؤيد إسرائيل ويرى في إيران تهديدًا مباشرًا للأمن القومي الأمريكي، هناك أيضًا جدل قانوني متصاعد حول صلاحيات الرئيس في شن هجوم عسكري على دولة أجنبية من دون تفويض مسبق من الكونغرس.
يشير الكاتب إلى أن نوابًا من الحزبين الجمهوري والديمقراطي يعملون حاليًا على دفع مشاريع قرارات في الكونغرس تهدف إلى تقييد قدرة الرئيس على اتخاذ قرار بضرب إيران دون موافقة تشريعية، ما يعمّق المواجهة القانونية والسياسية القديمة بين البيت الأبيض والكونغرس حول "صلاحيات الحرب".
يرى غوتمان أن هذا النزاع المستمر يعود إلى تعارض داخل الدستور الأمريكي نفسه: فمن جهة، يمنح الدستور الكونغرس صلاحية إعلان الحرب، وتمويل الجيش، وسن قوانين لتنظيمه، ومن جهة أخرى يعرّف الرئيس بوصفه القائد الأعلى للقوات المسلحة. هذا التناقض سمح على مرّ العقود لرؤساء الولايات المتحدة بادّعاء أن لهم الحق في استخدام القوة العسكرية لحماية المواطنين والجنود الأمريكيين أو بدعوى الدفاع عن النفس، دون الحاجة لموافقة مسبقة من الكونغرس.
يسوق الكاتب مثالًا تاريخيًا حين اتخذ الرئيس هاري ترومان عام 1950 قرارًا بإرسال قوات إلى كوريا دون إعلان حرب رسمي، مستندًا إلى قرار صادر عن مجلس الأمن الدولي يدعو إلى مساعدة كوريا الجنوبية ضد الغزو القادم من الشمال.
وفي محاولة للحد من هذه السلطة الرئاسية المنفردة، أقر الكونغرس عام 1973 "قانون صلاحيات الحرب" الذي يُلزم الرئيس بإبلاغ الكونغرس خلال 48 ساعة من أي عملية عسكرية يزج فيها القوات الأمريكية في حالة صدام مسلح، ويشترط إنهاء هذه العمليات خلال 60 يومًا إذا لم يمنح الكونغرس تفويضًا صريحًا باستمرارها. ويحدّد هذا القانون ثلاثة سيناريوهات فقط تجيز للرئيس اللجوء للقوة: إعلان الحرب من قبل الكونغرس، أو تفويض خاص منه، أو حالة طوارئ وطنية ناجمة عن هجوم فعلي على الولايات المتحدة أو قواتها أو ممتلكاتها.
لكن كما يوضح غوتمان، فإن معظم الرؤساء منذ 1973 وجدوا طرقًا لتجاوز هذا القانون. بعضهم لجأ لتفسيرات واسعة لصلاحياته الدستورية، وآخرون اعتمدوا على قرارات قديمة من الكونغرس لمنح الشرعية لتحركاتهم العسكرية. يستشهد الكاتب بقرار ترامب عام 2017 شن ضربة صاروخية في سوريا ردًا على استخدام السلاح الكيميائي، إذ اعتبر مستشاروه أن ذلك يدخل ضمن حق الرئيس في حماية المصالح الأمنية والسياسة الخارجية الأمريكية. وفي 2020، اعتمد ترامب على القرار نفسه الصادر عام 2002 لتبرير اغتيال قاسم سليماني، قائد في الحرس الثوري الإيراني، بزعم أنه كان يوجّه عمليات ضد القوات الأمريكية في العراق. وحتى الرئيس جو بايدن، لاحقًا، استند إلى هذا القرار ذاته في عدة عمليات عسكرية في الشرق الأوسط.
وبحسب غوتمان، فإن معارضي توجيه ضربة أمريكية لإيران يجادلون اليوم بعدم وجود أي حالة طوارئ أو تهديد فوري يبرر استخدام القوة دون العودة إلى الكونغرس، ويرون أن الوضع لا يفي بالمعايير القانونية لتجاوز المسار التشريعي. في المقابل، يدافع أنصار ترامب عن موقفه، ويصرّون على أن الرئيس يمتلك صلاحيات واسعة لحماية الجنود والمصالح الأمريكية في الشرق الأوسط، وأن التفويضات السابقة بشأن العراق تصلح كأساس قانوني لضرب إيران اليوم.
ويخلص الكاتب إلى أن التجربة المتكررة في ولاية ترامب، سواء في القضايا الداخلية أو الخارجية، تُشير إلى أنه إذا قرر المضي في تنفيذ هجوم ضد إيران، فلن تكون المسألة الدستورية عقبة تُعيقه، بل سيجد كالعادة تفسيرات فضفاضة لصلاحياته ولن يسعى لنيل موافقة الكونغرس المسبقة.