في مقاله المنشور صباح اليوم في صحيفة "معاريف" تحت عنوان "هزمنا إيران، فلماذا يكرهنا العالم؟"، يستعرض البروفيسور دانيال فريدمان صورة مركبة من الواقع الإسرائيلي الراهن في أعقاب الحرب التي امتدت من غزة إلى إيران، ويطرح تساؤلاً جوهريًا حول أسباب تدنّي مكانة إسرائيل في العالم رغم ما يعتبره انتصارًا استراتيجيًا.
يبدأ فريدمان بالإشارة إلى أن الحرب التي بدأتها حماس في السابع من أكتوبر ما زالت مشتعلة في غزة منذ أكثر من عام ونصف، وقد امتدت الآن إلى إيران، لتتحول إلى مواجهة تهدد عموم السكان في إسرائيل. ويعتبر أن هذه الحرب سلطت الضوء على مشكلتين مركزيتين في السياسة الخارجية والأمنية الإسرائيلية: القضية الفلسطينية والخطر الإيراني. ويشدد على أن هاتين المشكلتين منفصلتان جوهريًا، إذ إن حماس حركة سنية إرهابية، في حين أن النظام الإيراني شيعي إرهابي، والتحالف بينهما مؤقت ومرتبط بعدائهما المشترك لإسرائيل.
يرى الكاتب أن القضية الفلسطينية اكتسبت بعدًا جديدًا منذ حرب 1967، حين سيطرت إسرائيل على الضفة الغربية وغزة، لتصبح حاكمة لغالبية السكان الفلسطينيين. ويستعرض كيف تطورت سياسة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، من ضمّ القدس الشرقية ومنح سكانها إقامة إسرائيلية، إلى تشجيع الاستيطان في الضفة. ويصف ما يسميه "اللعبة المزدوجة" في الضفة الغربية: فبالنسبة للمستوطنين، يُعتبر المكان جزءًا من إسرائيل ويُطبق فيه القانون الإسرائيلي، بينما يُعامل الفلسطينيون هناك كمن يعيشون في أراضٍ محتلة بلا حقوق.
ويحمّل فريدمان هذه الازدواجية المستمرة منذ أكثر من خمسين عامًا، إضافة إلى سياسة نتنياهو التي قامت على "رعاية" حماس لإضعاف السلطة الفلسطينية، مسؤولية تآكل مكانة إسرائيل السياسية والأخلاقية عالميًا. ويذكر أن الإرهاب العربي في الضفة مستمر، لكن في المقابل تصاعد أيضًا ما يسميه بالإرهاب اليهودي ضد الفلسطينيين، دون أن توفر الدولة حماية كافية للضحايا.
يعتبر الكاتب أن هذه السياسات قادت إلى تدهور علاقات إسرائيل الدولية، سواء من خلال رفض أوروبا شمل المستوطنات في اتفاقيات التجارة، أو من خلال التصاعد الملحوظ في دعم العالم للفلسطينيين، رغم "فظائع الإرهاب التي يمارسونها" بحسب تعبيره. ويلاحظ أن العداء لإسرائيل لا يقتصر على أوروبا، بل يمتد حتى إلى شرائح واسعة في الولايات المتحدة، وكندا، وبريطانيا، بل وحتى أستراليا.
ويرى أن هذا التدهور بلغ ذروته في إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات توقيف ضد نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، واضعة إياهما في نفس الكفة مع قادة حماس، ويعتبر أن ذلك لم يكن ليحدث لولا تراجع المكانة الدبلوماسية لإسرائيل.
ويضيف أن العقوبات الأوروبية التي فرضت على وزراء في الحكومة الإسرائيلية، مثل بن غفير وسموتريتش، تشكّل خطرًا حقيقيًا، وأن اتساع المقاطعة الأكاديمية والثقافية وتدهور العلاقات التجارية، كما مع تركيا، كلها إشارات على أزمة أعمق.
أما بخصوص الخطر الإيراني، فيشير فريدمان إلى أن إسرائيل بذلت جهودًا هائلة لعقود من أجل تعطيل البرنامج النووي الإيراني، ولكن غياب أي أفق لحل القضية الفلسطينية يُضعف موقفها حتى في هذا الملف. وبرأيه، فإن تطبيع العلاقات مع الأردن ومصر لا يُترجم إلى تعاون فعلي على الأرض، بسبب العداء الشعبي الواسع، وهو ما خلق حصارًا بريًا بحكم الأمر الواقع على إسرائيل.
ويلفت فريدمان إلى أن غياب الحل السياسي للفلسطينيين يحرم إسرائيل من بناء تحالفات إقليمية فعّالة، لا سيما مع دول كالسعودية وتركيا، ويجعل من القضية الفلسطينية ورقة دائمة في يد إيران، تستخدمها لتبرير عدائها لإسرائيل.
ويختتم الكاتب مقاله بالقول إن كراهية العالم لإسرائيل لن تزول حتى إن انتهى التهديد الإيراني، لأن جذور هذه الكراهية تكمن في الموقف الإسرائيلي من الفلسطينيين. وبرأيه، فإن حل هذه المسألة، رغم تعقيداته، هو مفتاح استعادة مكانة إسرائيل الدولية، وتحقيق سلام إقليمي حقيقي.