مقال اليوم: "ايران تخاطب شعبها والعالم بصوتين مختلفين"

مقال اليوم: "ايران تخاطب شعبها والعالم بصوتين مختلفين"
مقال اليوم بقلم شاي غال ونشرته صحيفة "معاريف" تحت عنوان "ايران تخاطب شعبها والعالم بصوتين مختلفين"، وفيه يتناول الكاتب اللغة التي تتحدث بها إيران الى شعبها وتلك التي تخاطب بها الرأي العام الدولي.
علي خامنئي
علي خامنئي

في مقاله المنشور في صحيفة "معاريف" تحت عنوان "إيران تخاطب شعبها والعالم بصوتين مختلفين"، يرصد شاي غال بعمق الخطاب الإيراني بعد الهجوم الإسرائيلي الأخير، كاشفًا عن الفجوة الكبيرة بين الرسائل التي تُبث داخليًا وبين تلك التي توجه للخارج، في محاولة من طهران لصياغة واقع يناسب كل جمهور على حدة.

يبدأ غال بالإشارة إلى أن إيران، فور تعرضها للهجوم، أطلقت حملة إعلامية مكثفة ذات رسائل متناقضة ومضخّمة. الإعلام الرسمي الإيراني، الذي فوجئ بشدة بالضربة الإسرائيلية، سارع إلى تصوير بلاده كضحية لـ"عدوان صهيوني صارخ" ضد أهداف مدنية، كما نقل تهديدات المرشد الأعلى علي خامنئي بـ"تدمير تل أبيب"، في لغة نارية كشفت، بحسب الكاتب، عن ارتباك القيادة والحاجة إلى ردع شعبي داخلي سريع.

يصف غال الخطاب الفارسي الداخلي بأنه مشحون بالمفردات الدينية والعقائدية مثل "الجهاد" و"الشهداء" و"النضال المهدوي"، معتمدًا على إثارة المشاعر لتوحيد الصفوف خلف النظام، خصوصًا بعد سنوات من التململ الشعبي. لكن هذا الخطاب لم يدم طويلًا؛ إذ تحوّل خلال أيام قليلة من موقع الضحية إلى لغة النصر، خاصة بعد إطلاق مئات الصواريخ الباليستية نحو إسرائيل، وهي لحظة استثمرها النظام ليخاطب مباشرة الجمهور الإسرائيلي، ضمن تكتيك نفسي يهدف، حسب تعبير غال، إلى زعزعة الجبهة الداخلية في إسرائيل.

في المقابل، يوضح غال أن الرسائل الموجهة بالإنجليزية للمجتمع الدولي كانت أكثر دبلوماسية، تحدث فيها المسؤولون الإيرانيون عن "حق الدفاع عن النفس"، واتهموا إسرائيل بارتكاب "جرائم حرب"، مع التأكيد على أن إيران "لا ترغب بالتصعيد". هذا التباين، وفقًا للكاتب، يعكس حاجة النظام الإيراني لتهدئة الموقف خارجيًا، ولو مؤقتًا، لإعادة ترتيب أوراقه.

لكن مع دخول الولايات المتحدة على خط المواجهة، وقصفها منشآت نووية تحت الأرض في فوردو ونطنز، تصاعدت لهجة الخطاب الإيراني بشكل ملحوظ. يشير غال إلى أن الحديث في إيران انتقل إلى "حرب عالمية" واتهام إسرائيل بأنها "أداة للإمبريالية الأمريكية"، في لغة كشفت، كما يرى، عن مخاوف النظام من عزلة دولية وضربة قاصمة لمشروعه النووي.

بحسب غال، فإن الإعلام الإيراني حاول التغطية على حجم الخسائر، إلا أن الكشف السريع عن أسماء وصور قيادات قُتلت في البرنامج النووي، فضح شدة الضربة. ويضيف أن تقارير استخباراتية أكدت أن الضرر الذي أصاب منشآت إيران النووية كان "قاتلًا"، ما يفسر نبرة الهلع التي ميزت خطاب طهران.

ويبرز غال نقطة محورية في تحليل الأزمة، وهي فشل إيران في تفعيل حزب الله اللبناني كجزء من الرد. هذا الفشل، برأيه، يعكس مأزقًا في منظومة الردع الإيرانية، إذ خشيت طهران من أن يفتح تدخل الحزب جبهة متعددة تُفقدها السيطرة وتؤدي إلى رد إسرائيلي-أمريكي ساحق.

يرى الكاتب أن إسرائيل استغلت هذه الازدواجية في الخطاب الإيراني، فأبرزت التناقض بين النبرة الفارسية الحادة والخطاب الإنجليزي المعتدل، لتظهر إيران كطرف غير عقلاني ومحرض على العنف. ومع أن التهديدات الإيرانية أثارت القلق في البداية، إلا أن القيادة الإسرائيلية سرعان ما ركزت رسائلها على ما تحقق ميدانيًا: القضاء على قيادة الحرس الثوري، وتدمير بنى تحتية نووية، وإثبات جاهزيتها لضرب أي تهديد بشكل مباشر.

في الخلاصة، يكتب غال أن الهجوم الإسرائيلي ألحق ضررًا بالغًا بالبرنامج النووي الإيراني، وأضعف قدرة طهران على الرد، حتى وإن أتاح لها لحظة قصيرة من التماسك الداخلي. لكنه يرى أن هذا التماسك هش، يغطي مؤقتًا على عمق الأزمة التي يعيشها النظام، في مقابل صورة لإسرائيل كقوة حازمة لا تتردد في خوض معركة وجودية – حتى لو كان الثمن حربًا شاملة.

الأكثر شيوعاً