قدّم دان بيري في مقاله تحليلًا للضربة الإسرائيلية الأخيرة ضد المنشآت النووية الإيرانية، معتبرًا أنها لحظة تاريخية وشديدة الأهمية في المعركة ضد النظام الإيراني، الذي يراه تهديدًا مباشرًا لمستقبل إسرائيل. ورغم إشادته بجرأة وفعالية العملية، يرى الكاتب أن الإنجاز الحقيقي لا يُقاس بما حدث ميدانيًا، بل بما يمكن أن يتحقق لاحقًا على المستوى الاستراتيجي.
ويشير بيري إلى أن الأضرار التي لحقت بالبنية التحتية النووية الإيرانية، فضلًا عن الضربة المعنوية التي تلقاها النظام هناك، تُعد إنجازات مهمة، لكنه يدعو إسرائيل لاحترام طلب الولايات المتحدة بعدم خرق وقف إطلاق النار. ويذكّر بأن العقيدة العسكرية الإسرائيلية كانت دائمًا قائمة على حروب قصيرة ذات أهداف واضحة، وهو ما يرى أنه غاب في غزة، ويجب عدم تكراره مع إيران.
ويضيف أن العملية الأخيرة، وإن كانت مؤلمة من حيث الخسائر البشرية، إلا أنها كشفت الإجماع الدولي المتزايد حول "طبيعة النظام الإيراني الإجرامية"، على حد وصفه، في تمايز واضح عن النظرة الدولية للقضية الفلسطينية. كما يشير إلى الدعم العلني من الرئيس دونالد ترامب، والمستشار الألماني فريدريخ ميرتس، الذي قال إن إسرائيل "تقوم بالمهمة نيابة عن العالم بأسره".
ويعتبر بيري أن مشاركة الولايات المتحدة في قصف منشأة فوردو تحت الأرض شكّلت سابقة تاريخية، حيث لم يسبق أن شاركت واشنطن بهذا الشكل الهجومي المباشر. ويأمل أن تستغل الولايات المتحدة الزخم الحالي لفرض صفقة واسعة: وقف كامل لتخصيب اليورانيوم فوق النسبة المدنية، إنهاء مشروع الصواريخ البالستية، ووقف تمويل الميليشيات الإقليمية، مقابل السماح لإيران بالتخصيب المنخفض تحت رقابة صارمة. "هذه صفقة، وترامب يحب الصفقات"، يكتب بيري بنبرة ساخرة.
ويرى الكاتب أن على إيران أن تُدرك أن المماطلة هذه المرة قد تؤدي إلى استئناف الحرب، وربما بهدف تدمير النظام نفسه. ويقترح إبقاء العقوبات الاقتصادية قائمة إلى حين حصول تغيير سياسي داخلي، سواء كان ديمقراطيًا أو على شكل نظام عسكري علماني، مؤكدًا أن النظام الحالي فقد شرعيته الدولية، وأن الضربة الأخيرة قد تكون شرارة لانقلاب داخلي – ربما يبدأ كـ"انقلاب قصر".
يرى بيري أن نجاح هذه المواجهة مع إيران قد ينعكس أيضًا على الساحة الفلسطينية، إذ يدعو إلى إنهاء "الحرب العبثية واللانهائية" في غزة، واستغلال الزخم الإقليمي والدولي لإعادة السلطة الفلسطينية إلى القطاع عبر ترتيب إقليمي واسع بدعم من الدول العربية والخليجية. وبحسب تقديره، فإن استعادة السيطرة المدنية هناك، مع الضغط الدولي الكبير على ما تبقى من حماس، سيساهم في ترميم مكانة إسرائيل الدولية بعد الدمار غير المسبوق الذي حلّ بالقطاع.
ويتوقع الكاتب أن نجاحًا إقليميًا كهذا قد يفتح أبواب التطبيع مع السعودية، وربما مع سوريّا ولبنان أيضًا، خصوصًا إذا جرى تفكيك ميليشيات حزب الله كما يُؤمل لحماس في غزة. لكنه يشدد على أن كل هذا مرهون بتغيير ملموس في تعامل إسرائيل مع الفلسطينيين، ووقف المأساة المستمرة في غزة.
في ختام مقاله، يروي دان بيري أنه سُئل في مقابلة مع قناة الجزيرة: "لماذا يُمنع على إيران امتلاك سلاح نووي بينما يُسمح لإسرائيل؟"، فأجاب بأن إسرائيل ديمقراطية، تحترم نسبيًا سيادة جيرانها وتتحمل قدرا من المسؤولية والشفافية، خلافًا لإيران التي تمثل نظامًا مارقًا يسعى لتصدير الثورة عبر العنف. لكنه يعترف، بشكل نقدي، أن هذا التبرير يضعف في ظل الدمار في غزة، والتنصل الإسرائيلي من مسؤولياتها إزاء المدنيين، والخطاب السياسي المتطرف داخلها، مشددًا على ضرورة أن تقترن القوة بالحكمة والمصداقية الأخلاقية.
ويخلص بيري إلى أن إسرائيل أظهرت قدرات مذهلة في العملية الأخيرة، وأثبتت جديّتها في مواجهة التهديد الإيراني، لكنها الآن أمام المرحلة الأهم: مرحلة العقل والذكاء السياسي، التي لا تقل أهمية عن القوة العسكرية.