في مقاله اللاذع، يفتح الكاتب جلال بنا النار على ما سمّاه الرؤية العنصرية الكامنة خلف دعوة "منتدى البروفيسورات من أجل متانة وطنية" موجهة للحكومة الإسرائيلية بالعمل الفوري على "تهويد الجليل" ووقف "الميل الديموغرافي" هناك، محذرين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو من "كارثة وطنية" إن لم يتحقق ذلك الهدف.
ويرى بنا أن هؤلاء الأكاديميين لا يدعون إلى تطوير الجليل لصالح جميع سكانه، ولا إلى فتح بلداته لكل من يعيش ويعمل فيها، بل يحصرون دعوتهم في تهويد المنطقة عبر خطوات فورية من أجل ترسيخ الوجود اليهودي على حساب المواطنين العرب.
يسخر الكاتب من فكرة "إيقاف الميل الديموغرافي"، متسائلًا بتهكم: هل المقصود تقييد النسل لدى العرب؟ أو فرض وسائل منع الحمل عليهم؟ ويؤكد أن مثل هذه الدعوات لو طُرحت في أي مكان آخر بالعالم ضد اليهود، لاعتُبرت فورًا معادية للسامية، فما بالك حين تُوجَّه داخل إسرائيل ضد مواطنيها العرب.
ويضع بنا هذه الدعوة في سياق تاريخي، مشيرًا إلى أن مطلب تهويد الجليل ليس بجديد، بل هو مسعى استراتيجي تنتهجه الحكومات الإسرائيلية منذ قيام الدولة. ورغم إقامة مئات البلدات اليهودية في صيغ مختلفة (كيبوتسات، موشافيم، بلدات مجتمعية مغلقة على العرب)، وإنشاء مدن مثل "نوف هجليل"، "كرميئيل" و"حريش" لتغيير الميزان السكاني – لم يتحقق "الانقلاب الديموغرافي" المنشود. السبب في ذلك، كما يرى الكاتب، لا يعود إلى خصوبة العرب أو مقاومتهم، بل إلى غياب رؤية تنموية حقيقية للمنطقة. وربما لأن أي تطوير حقيقي قد يستفيد منه العرب أيضًا، فتفضّل الدولة تجاهله.
ويعبّر الكاتب عن استغرابه الشديد من أن تكون هذه المخاوف صادرة عن أساتذة جامعات يُفترض أنهم يحملون درجات علمية رفيعة، ويعترض على تجاهلهم التام لأزمة السكن والتخطيط في البلدات العربية، حيث يعيش المواطنون في ظل نقص فادح في الخدمات والبنى التحتية، مقابل فرحهم بتجميد خطط تطويرية للعرب في بلدات مثل كابول وجديدة-المكر.
ثم يقلب الكاتب جلال بنا المعادلة ويطرح سؤالًا عكسيًا: هل يُعقل أن يعرب عرب الجليل عن "قلقهم" من تزايد أعداد اليهود، أو يدعوا إلى توطين العرب بكثافة في الجليل "لمنع خسارته لصالح اليهود"؟ يرى أن مجرد طرح الفكرة يُظهر مدى عنصرية الخطاب الذي لا يزال يتعامل مع البشر كأرقام تُحسب وتُفرز على أساس عرقي أو قومي.
ويشدد بنا في مقاله على أن الجليل ليس حكرًا لأحد، وأنه "يتسع للجميع"، مستنكرًا استخدام مفاهيم السيطرة السكانية في بلد يفترض أنه ديمقراطي ويكفل المساواة لمواطنيه جميعًا.
ويختم بمفارقة لاذعة، حين يشير إلى أن كاتبي الرسالة يلومون رئيس الحكومة على تحالف مفترض مع "العرب" ضد "الرؤية الصهيونية". ويتساءل الكاتب بسخرية: من هم هؤلاء العرب؟ وهل المقصود مثلاً الوزير سموتريتش الذي يرفض تحويل ميزانيات للبلدات العربية؟ أم الوزير بن غفير الذي لا يزعجه تفشي الجريمة في المجتمع العربي؟
بهذا المقال، لا يكتفي جلال بنا بنقد السياسات الإسرائيلية تجاه الجليل، بل يفضح ما يعتبره نفاقًا أخلاقيًا في الخطاب الأكاديمي والسياسي، ويقدم دفاعًا واضحًا عن حق العرب في أن يكونوا جزءًا أصيلًا ومتكافئًا في النسيج الجليلي، بعيدًا عن منطق القومية العرقية الذي يحوّل الوطن إلى ساحة إحصائية.