في مقاله المنشور في صحيفة "يسرائيل بيتينو"، يتناول الصحافي جلال بنا قضية تجنيد الشباب في إسرائيل، على ضوء قرار المحكمة العليا بشأن تجنيد طلاب المعاهد الدينية الحريدية، الذي صدر قبل نحو عام.
ويشير بنا إلى أن هذا القرار فجّر نقاشًا واسعًا حول وجوب تجنيد جميع الشباب الإسرائيليين، لكنه بقي محصورًا في الوسط الحريدي، دون التطرق إلى قطاعات أخرى، وعلى رأسها الشباب العرب في البلاد.
يلاحظ بنا أن رفض الحريديين للتجنيد، واستعدادهم حتى لدخول السجن بدلًا منه، يحصل رغم كونهم يُعدّون أنفسهم شركاء كاملين في الدولة، مما يثير التساؤل، برأيه، عما سيكون عليه موقف المواطنين العرب في حال فُرض التجنيد عليهم أو طُرح الأمر رسميًا على جدول الأعمال السياسي.
يرى الكاتب أن استثناء العرب من الخدمة الإلزامية، منذ قيام الدولة وحتى اليوم، لم يكن قرارًا فرضته الضرورة، بل خيارًا واعيًا ومقصودًا من قبل الدولة، التي امتنعت أيضًا عن دمجهم بشكل جاد في وظائف الدولة أو في سلك الخدمة المدنية، رغم الارتفاع الكبير في عدد الشباب العرب الذين تطوعوا في السنوات الأخيرة في إطار الخدمة المدنية. لكنه يلفت إلى أن هذا التطوع بقي دون تنظيم رسمي، ودون اتفاق حقيقي بين الدولة والمجتمع العربي وقياداته.
يؤكد جلال بنا وجود هوة عميقة في هذا المجال لم تُبذل أي جهود حقيقية لردمها، موضحًا أن الخدمة من أجل الدولة تبدأ بالشعور بالانتماء، وهو شعور غائب ما دامت إسرائيل دولة منقسمة وممزقة، وما دام جزء كبير من مواطنيها – وتحديدًا العرب – لا يشعرون أنهم جزء من رموزها وهويتها.
ويصف بنا تحدي دمج المواطنين العرب في مؤسسات الدولة بأنه مضاعف ومعقّد، لكنه ليس مستحيلًا إذا كانت هناك نية سياسية حقيقية. فالشباب العرب، برأيه، يطمحون للدراسة في مؤسسات التعليم العالي الإسرائيلية، والعمل في قطاعات مختلفة، من الطب إلى البناء، لكنهم يصطدمون بجدار هوية الدولة اليهودية، التي تُفهم كإشارة للعرب بأن هذه الدولة ليست لهم، رغم كونها المكان الوحيد الذي يعيشون فيه.
ويضيف أن انعدام الثقة بين الدولة وغالبية مواطنيها العرب يزداد تفاقمًا، لا سيما وأن الأقليات التي خدم أبناؤها في الجيش – مثل الدروز والبدو – لم تحظَ بمعاملة متساوية مع اليهود، مما يبرز فشل سياسات الدولة تجاه الأقليات حتى عند من خدمها بالفعل.
ويختم الكاتب مقاله بالدعوة إلى اتخاذ قرار حاسم بعد 77 عامًا على قيام الدولة: هل تريد إسرائيل أن تكون حقًا دولة لكل من يعيش فيها؟ إذا كانت الإجابة نعم، فيجب بدء مسار حقيقي نحو مساواة كاملة تبدأ من تقاسم العبء وتنتهي بفتح كل الأبواب أمام كل مستحق، دون تفضيل أو تمييز، وبناء مستقبل جديد يرى أبعد من الصراع الآني.
ومع إدراكه لوجود تيارات ترى في تحويل إسرائيل إلى "دولة كل مواطنيها" تهديدًا لهويتها اليهودية، وأخرى ترفض انخراط العرب في الأجهزة الأمنية ما دام الصراع العربي-الإسرائيلي قائمًا، إلا أن جلال بنا يشدد على أن هذه النقاشات لا يمكن أن تمنع التفكير بالمستقبل، لأن الوضع الحالي لا يمكن أن يستمر إلى الأبد.