في مقال تحذيري لافت، يرسم الدكتور يهودا بلانغا مشهدًا قاتمًا للوضع في جنوب سوريا، محذرًا من أن ما يجري هناك ليس مجرد فوضى أمنية، بل نذر لحرب أهلية درزية قد تستدرج إسرائيل إلى مستنقع معقّد، لا يبدو أن أحدًا مستعدّ له.
ينطلق بلانغا من حقيقة أن سوريا التي كانت علمانية في مظهرها قد تحوّلت إلى ساحة مفتوحة لصراعات دينية وطائفية، تتعرض فيها الأقليات - بمن فيهم الدروز والعلمانيون - لاضطهاد متزايد. فبعد موجة من الهجمات والتفجيرات، اندلع نزاع مسلّح مصغر بين أبناء الطائفة الدرزية من جهة، وميليشيات بدوية وقوات موالية للنظام من جهة أخرى.
ويقدّم الكاتب ثلاث ملاحظات أساسية لفهم خطورة اللحظة:
أولا - الفوضى وانهيار السلطة: بحسب بلانغا، فإن إسقاط النظام في أجزاء من سوريا لم يتم عبر ثورة شعبية موحّدة، بل من خلال ائتلاف غير متجانس من أربع مجموعات مسلحة نفذت عمليتين هما "ردع العدوان" و"فجر الحرية". ويفرض هذا التشرذم نفسه على خريطة السيطرة اليوم: الأكراد يهيمنون على نحو 30% من الشمال والشرق، بينما يحتفظ الدروز وبعض الجماعات المحلية بنحو 5% في الجنوب، فيما تترنح بقية المناطق بين فراغ سلطوي أو سيطرة شكلية من حكومة الأسد. هذا التفتت، وفقًا للكاتب، خلق بيئة خصبة لتناحر الميليشيات على النفوذ والإتاوات ومسارات التهريب، مشيرًا إلى أن كل غياب للحكم المركزي يفتح شهية المسلحين للفوضى والهيمنة، بما يغذّي دورة عنف ذاتية يصعب كبحها.
ثانيا - الدراما الإنسانية و"مسؤولية إسرائيل": يسلّط بلانغا الضوء على تصاعد الاعتداءات على الدروز، وخاصة في محافظة السويداء، ويطرح سؤالًا معقّدًا: هل على إسرائيل التدخل لحمايتهم؟ في ظل الارتباط العائلي والعقائدي بين دروز الجولان والجليل وبين إخوتهم في سوريا، ومع تواتر نداءات الاستغاثة من قادة ميدانيين دروز، يزداد الضغط على إسرائيل للتحرك. إلا أن الكاتب يحذّر من أن التوقيت غير مناسب إطلاقًا، فـ"جيش الدفاع" يرزح تحت عبء غير مسبوق من المهام القتالية في غزة ولبنان والضفة الغربية. التدخل البري في سوريا، كما طُرح في بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية مؤخرًا، يبدو وفق تعبيره "غير مسؤول"، نظرًا لمستوى التعقيد والمخاطر. بلانغا يشدد على أن النزاع في الجنوب السوري بات خليطًا سامًا من الانتماءات الطائفية، والصراعات القبلية، والجريمة المنظمة، وهو ما يجعل أي تدخل خارجي – حتى لو بنية المساعدة – محفوفًا بالمخاطر المضاعفة.
ثالثا - حرب أهلية بنسخة جديدة: حتى مع تآكل سلطة النظام، لم تأتِ النهاية على شكل تسوية، بل فتحت الباب لما يعتبره الكاتب "النسخة الثانية من الحرب الأهلية السورية". لم تعد المعركة بين "نظام وشعب"، بل بين طوائف وميليشيات وعصابات. الجنوب السوري، بحسب بلانغا، يشهد اليوم ما يشبه انفجارًا محليًا قابلًا للتمدد، قد يجرّ في طريقه قوى خارجية. وإسرائيل، التي التزمت الحياد نسبيًا طوال أكثر من عقد من الحرب السورية، مدعوة اليوم – أكثر من أي وقت مضى – إلى مواصلة هذا النهج وعدم التورّط، مهما بدت الأسباب إنسانية أو أخلاقية.
في نهاية مقاله، يطلق بلانغا نداء تحذير صريح: ما يحدث في السويداء ليس "أزمة طارئة"، بل نقطة تحوّل قد تلهب الميدان السوري من جديد. وعلى إسرائيل أن تُبقي أعصابها باردة، وأن تزن كل خطوة ليس من منطلق الانفعال، بل من زاوية المصلحة الإستراتيجية البحتة.