جسر الزرقاء: تجميد بيع المنازل في الحي الجديد مثير للتساؤلات

جسر الزرقاء:تجميد بيع المنازل في الحي الجديد مثير للقلق
بين أملٍ بالتجديد وقلقٍ من التهويد، يواجه مشروع الحيّ الجديد في جسر الزرقاء أزمة حقيقية، بعد تجميد المبيعات وسط ضعف الإقبال المحلي، ومخاوف من أن يفقد السكان ما تبقى من أرضهم وهوّيتهم.
مؤلف تامر زيد الكيلاني – مكان مؤلف تامر زيد الكيلاني – مكان
جسر الزرقاء منظر عام
جسر الزرقاء منظر عام

في الطرف الغربي من بلدة جسر الزرقاء الساحلية، وعلى تلةٍ تطل على البحر، يمتد حيّ سكني جديد بمنازل عصرية وحديثة، وصفه البعض بأنه “أمل جديد” لشباب البلدة، لكنه تحوّل على أرض الواقع إلى محور جدل واسع، بين من يراه فرصة للتقدّم، ومن يخشى أن يكون مدخلًا لفقدان السيطرة على الأرض والهوية.

 

الأسعار منخفضة، لكن...

المشروع الذي يضم نحو 600 وحدة سكنية جرى تسويقه ضمن برامج دعم حكومية بأسعار مخفّضة نسبيًا لأهالي البلدة – تبدأ من 700 ألف شيكل – لكنه عُرض أيضًا للبيع لمواطنين من خارج جسر الزرقاء، معظمهم من اليهود، بأسعار تصل إلى ملايين الشواكل، ما أثار مخاوف شريحة واسعة من السكان.

إقبال ضعيف وتجميد المبيعات

رئيس المجلس الشيخ مراد عماش
رئيس المجلس الشيخ مراد عماش

في الطابق العلوي من المبنى الجديد للمجلس المحلي، الذي يطل بإطلالةٍ ساحرة على البحر، التقينا رئيس المجلس، الشيخ مراد عماش، الذي أكد في مقابلة خاصة معنا أن المشروع خُصّص في الأساس لأهالي جسر الزرقاء، وأن المجلس بذل جهودًا حثيثة لتشجيعهم على الشراء.

وقال عماش: "هذه الأراضي هي لأهل الجسر، والمشروع صُمم ليخدم أبناء البلدة. منذ البداية دعونا المواطنين للتقدّم، وعقدنا لقاءات عديدة جمعتهم مع الشركات التي فازت بالمناقصات، وشرحنا لهم خطوات الشراء. كما أحضرنا ممثلي بنوك وشركات قروض و’مشكنتا’، في محاولة لتيسير الإجراءات أمامهم… لكن للأسف، يبدو أن الأوضاع الاقتصادية الصعبة حالت دون ذلك".

وأمام هذا الواقع، أعلن رئيس المجلس المحلي عن تجميد بيع المنازل في الحي الجديد، بسبب ضعف الإقبال من سكان البلدة، مقابل اهتمام ملحوظ من مشترين من خارجها. وأكد أن النية كانت تسويق المشروع داخليًا أولًا، لكن العائق الأكبر بقي في القدرة الاقتصادية المحدودة لسكان جسر الزرقاء، حيث يعاني كثيرون من رفض البنوك لطلبات القروض العقارية، بسبب تصنيفاتهم الائتمانية المتدنّية.

وبينما يتمسّك المجلس المحلي برؤيته للمشروع كفرصة نادرة لأهالي البلدة، يبقى الواقع على الأرض أكثر تعقيدًا، في ظل الهوة الكبيرة بين الرغبة بالشراء والقدرة الفعلية على تحقيقه. ووفقًا لمعطيات محلية، لا يتجاوز عدد الجسراويين الذين تمكنوا من شراء وحدات في المشروع 60 شخصًا، من أصل 600 شقة مطروحة.

بين القانون والقلق الشعبي

ورغم أن المشروع أُنشئ ظاهريًا لخدمة السكان المحليين، إلا أن القانون في إسرائيل لا يمنع بيع الشقق أو الأراضي لمواطنين من خارج البلدة، ما يُفسح المجال قانونيًا لدخول "غرباء" إلى نسيج اجتماعي هش أصلًا. وهذا ما يثير مخاوف بعض الأهالي من أن يتحوّل المشروع إلى مدخل لتهويد ناعم، وسلب تدريجي لما تبقى من الأراضي.

"أحببتُ المكان"

في جولة ميدانية داخل الحي الجديد، تحدثنا مع أحد سكانه الجدد – مواطن يهودي – عند تواجده في أحد المحلات الشعبية في البلدة، عبّر عن ارتياحه في المكان، مؤكدًا أن علاقاته بالجيران العرب طيبة، وأنه "يحب البلدة وأجواءها". لكن أصواتًا أخرى ترتفع في الحارات القديمة، تتساءل: "كيف تُبنى البيوت على أرضنا، ولا نملك القدرة للسكن فيها؟".

تبخرت الأحلام؟

غير بعيد عن الحي الجديد، وأثناء تجوالنا في أزقة البلدة، التقينا حمامة جربان – سبّاحة ماهرة وناشطة محلية تُعرف بغيرتها العميقة على بلدة جسر الزرقاء وشاطئها الفريد.

جربان عبّرت عن استيائها من المشروع، معتبرةً أنه "سلب مستقبل الأطفال، ووأد حلم الأجداد بأن يكون لأبنائهم بيتٌ يطل على البحر". كما وجّهت انتقادات حادّة إلى أعضاء الكنيست العرب، متهمةً إياهم بالتقصير في دعم أهالي البلدة، وخصّت بالذكر عضو الكنيست منصور عباس، الذي كان شريكًا في إطلاق خطة تطوير جسر الزرقاء عندما كان جزءًا من الائتلاف الحكومي.

مخطط مسبق؟

الشيخ زافي
الشيخ وافي

من جهته، يرى الشيخ وافي – مربٍّ ومعلّم مخضرم في البلدة – أن ما يحدث ليس محض مصادفة، بل هو جزء من مخطط ممنهج بدأ التحضير له منذ سنوات طويلة في أروقة الدولة ومؤسساتها، بهدف إعادة تشكيل المشهد الساحلي من عكّا شمالًا وحتى تل أبيب جنوبًا، وربط شاطئ جسر الزرقاء بسلسلة من المشاريع السياحية والعقارية الكبرى.

ويقول الشيخ وافي بنبرة نقدية: "بلدتنا تعاني من ضائقة سكنية خانقة منذ سنوات، فأين كانت الدولة والمسؤولون عندما احتجنا إلى توسعةٍ حقيقية؟ لماذا لم يتم تخصيص هذه الأراضي الغربية – الأقرب إلى البحر – لأبناء البلدة عبر قسائم بناء، كما يحدث في سائر البلدات العربية؟ كنا سنشتريها ونبني عليها… لكن يبدو أن المخطط لم يكن لنا أصلاً".

وبالنسبة له ولغيره من أبناء البلدة، القضية لا تتعلق فقط بمنازل، بل بأحقية تاريخية على الأرض، وحق طبيعي بالسكن في بلدة يضيق بها الخناق عامًا بعد عام، في الوقت الذي تُفتح فيه الأبواب لغير أهلها.

أزمة أكبر من حيّ

لا يخفى على أحد أن جسر الزرقاء، ووفقًا للتقييم المعيشي الاجتماعي–الاقتصادي، تعيش واحدة من أسوأ أزماتها السكنية والاقتصادية، حيث تواجه البلدة حصارًا تخطيطيًا، ونقصًا حادًا في الأراضي، وغيابًا للبنى التحتية.

ومع تجميد المشروع الحالي، يبدو أن الحلم بتوفير مساكن جديدة لأبناء البلدة لا يزال مؤجّلًا، وربما مهدّدًا. وبين الأسئلة المعلّقة، يبقى الحي الجديد رمزًا مزدوجًا: هو في نظر البعض مشروع تطوير، وفي نظر آخرين مشروع إقصاء ناعم… وفي نظر الواقع، أزمة مفتوحة بلا إجابات.

الأكثر شيوعاً