البلديات والمجالس المحلية العربية: أزمات إدارية لا متناهية

البلديات والمجالس المحلية العربية:أزمات إدارية لا تنتهي
في ظل أزمات مالية متفاقمة، وقرارات حكومية مثيرة للجدل، تواجه السلطات المحلية العربية شللاً إداريًا متصاعدًا، بين مجالس مفككة، ومجالس مديونة، ومجالس مهددة بالحل، وسط اتهامات بتجفيف مالي واستهداف سياسي ممنهج للمجتمع العربي.
مؤلف تقرير: تامر زيد الكيلاني مؤلف تقرير: تامر زيد الكيلاني
مبنى بلدية الناصرة
مبنى بلدية الناصرة

بين مشروع متوقف وآخر لم يبدأ، وبين مجلس بلدي مهدد بالحل وآخر تُديره لجنة معيّنة، تتّسع رقعة الانهيار الإداري في السلطات المحلية العربية، والمجالس العربية تغرق في الديون والعجز المالي.

لكن خلف هذا الانهيار، لا تختبئ الأرقام فقط، بل تقف أيضًا قرارات سياسية، وصراعات داخلية، وشبهات فساد، وأداة واحدة متكررة: الميزانية.

الميزانية كأداة ضغط…؟

منذ تسلُّم بتسلئيل سموتريتش وزارة المالية، توقفت تحويلات بمئات ملايين الشواقل كانت مخصصة لدعم السلطات المحلية العربية.

مبررات الحكومة: تعزيز الرقابة، منع الهدر، والتأكد من عدم وصول الأموال إلى "جهات غير شرعية".

لكن في الميدان، يُترجم هذا إلى واقع شديد القسوة: بلديات عاجزة عن دفع الرواتب، مشاريع عمرانية مجمّدة، وخدمات أساسية منهارة.

ثلاثة وجوه للأزمة… ومشهد واحد للانهيار

  1. المجالس المجمّدة: صراعات داخلية تُسهّل تدخل وزارة الداخلية (مثال فسوطة)

في فسوطة، فشلت البلدية في تمرير ميزانية 2024 رغم تمديد المهل من قبل وزارة الداخلية.

الخلافات بين رئيس المجلس والمعارضة، التي لا تحمل بالضرورة طابعًا مبدئيًا، أدت إلى شلل إداري… وانتهى الأمر بحلّ المجلس وتعيين لجنة خارجية تدير شؤون البلدة منذ فترة، حتى إشعار آخر.

حسن الهيب
حسن الهيب
  1. المجالس المُدانة: (مثال طوبا الزنغرية)

رئيس مجلس طوبا الزنغرية، حسين الهيب، أُقيل من منصبه في أعقاب تقديم لائحة اتهام ضده تشمل: تلقي رشاوى، استغلال منصب، وتبييض أموال خلال ولايته الأولى (2014–2018).

النيابة وصفت التهم بـ"الخطيرة والممنهجة"، ووزارة الداخلية قررت عزله قبل صدور حكم نهائي. لكن في المقابل، لم تُعيَّن إدارة بديلة واضحة، ولا فُتح باب الانتخاب مجددًا. النتيجة: بلدة بلا رئيس منتخب، ومواطن فقد الثقة بممثليه.

  1. المجالس المعطّلة ماليًا: شبح اللجنة المعيّنة يقترب (مثال الناصرة)

بلدية الناصرة، التي تُعد رمزًا للبلدات العربية، تغرق في عجز مالي يتجاوز 238 مليون شيكل. وزارة الداخلية أجرت جلسة استماع لرئيس البلدية، علي سلام، وسط تحذيرات من إمكانية تعيين لجنة معيّنة.

رئيس البلدية قدّم خطة "إشفاء"، لكن وزارة الداخلية لم تُصدر قرارها بعد، في وقت تتسارع فيه الدعوات لإقالة المجلس وإعادة الانتخابات كحق ديمقراطي يتيح للمواطن النصراوي اختيار ممثليه.

الجبهة في البلدية كانت قد حذّرت من مصادرة الإدارة المحلية: "الحديث لا يدور عن فشل… بل عن استهداف ممنهج”، حسب ما نُقل عن عضو المعارضة شريف زعبي".

أمير بشارات
أمير بشارات

المحامي أمير بشارات: "نحن في مرحلة خنق ممنهج"

مدير عام اللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية العربية، المحامي أمير بشارات، يقول بوضوح: "نحن أمام سياسة تجفيف مالي للسلطات المحلية العربية. الحكومة الحالية تتذرع بالشفافية، لكنها في الواقع تُدير حملة خنق ممنهجة ضد المجتمع العربي. كنا قد حذرنا مرارًا من عدم تمرير الميزانيات، وخاصة ما يقوم به سموتريتش من منع الميزانيات، وما تفعله مايا جولان من حزب الليكود، والوزير بن غفير. لكن للأسف نحن ندفع الثمن اليوم".

ويضيف: "نحن لا نتحدث فقط عن فشل بلدي هنا وهناك… بل عن أزمة وجود. السلطات لم تعد قادرة على جمع النفايات، ولا على دفع الأجور، ولا على تشغيل الحد الأدنى من خدماتها. هذا تدمير للحكم المحلي".

مازن غنايم: "نقاتل من أجل دفع رواتب… لا أكثر"

مازن غنايم - رئيس بلدية سخنين
مازن غنايم - رئيس بلدية سخنين

رئيس اللجنة القطرية، مازن غنايم، يصف المشهد: "عندما تصبح أزمة النفايات أهم من ملفات التربية والتعليم والبنية التحتية… ندرك أننا وصلنا إلى الحضيض".

ويتابع: "ما يحصل اليوم ليس أزمة عابرة. نحن لا ندير بلديات… بل نحاول إنقاذها من الانهيار التام. هذا مسّ مباشر بالديمقراطية المحلية".

رؤساء مجالس… يكتفون بالرسائل؟

رغم اتساع الأزمة، يُلاحظ غياب خطوات احتجاجية ميدانية من قبل معظم رؤساء السلطات المحلية العربية. بيانات، مكاتيب، رسائل رسمية… دون إضرابات أو مظاهرات أو خطوات ضاغطة، كما شهدنا في السابق.

ورغم محاولاتنا المتكررة للحصول على توضيحات مباشرة، توجّهنا مرارًا إلى رئيس بلدية الناصرة، علي سلام، ومساعديه، إلا أن سلام امتنع عن الحديث للصحافة، كما يبدو بقرار احترازي على خلفية الأوضاع المتوترة داخل البلدية.

وفي فسوطة أيضًا، رفض رئيس المجلس المحلي، إدغار دكور، التعليق على قرار وزارة الداخلية بحل المجلس وتعيين لجنة معيّنة، مكتفيًا بالقول إن "القرار قديم" وإن "الوضع في مجلس فسوطة لا يشبه الأوضاع والإشكاليات في المجالس الأخرى".

الأكثر شيوعاً